جامع السليمانية
: تعريف بالمسجد
مسجد السليمانية Süleymaniye Camii ثاني أكبر مساجد اسطنبول، فقد بني على ربوة مرتفعة تطل على مضيق البوسفور وخليج القرن الذهبي وعلى الجزء الآسيوي من إسطنبول، وبداخل المجمع مساحات خضراء تزداده زينة ورونقاً.
بني المسجد بأمر من السلطان سليمان القانوني، وقد أشرف بنائه بواسطة المعماري العثماني الكبير، وبدء المعمار سنان عملية البناء عام 1550 وانتهى عام 1558، وهو أشهر معمار في تاريخ العثمانيين بل يكاد يكون أشهر معمار في تاريخ المساجد الإسلامية.
وكان سنان قبل بدء العمل قد أعد الخرائط والتصاميم والأفكار والنماذج، ووضعها بين يدي السلطان نفسه فأعجب بها وأعطى موافقته عليها، وفتح باب خزانته لتنفيذها بلا حساب، مما كان له أعظم الأثر في إطلاق العنان لخيال وخبرة المهندس المعماري الفنان سنان لا نجاز مسجد طالما افتخر به وقال عنه: إن هذا المسجد هو أعظم إنجازاتي.
وقبل أن يبدأ سنان بعملية البناء استدعى آلاف الحرفيين والمهندسين المعماريين والعمال الفنيين المشهورين من أطراف الدولة العثمانية للمشاركة في هذا الصرح الكبير، مما تطلب انشاء مقر خاص لهم للسكن والتخطيط والآلات، فكان هذا المقر الخاص بالقائمين على العمل يضم قاعات متعددة الأهداف، وغرفاً للطعام، وأخرى لمبيت الغرباء منهم القادمين من خارج أسط\نبول، وكان بجوار تلك الغرف الحمامات وسائر الخدمات الأخرى.
ويقال بأن الأساسات قد استنفذت وقتاً طويلاً، بل أخرت العمل قليلاً، وذلك لعمل الترتيبات لمقاومة المطر والثلج والمؤثرات الطبيعية القاسية التي تشتهر بها إستانبول ولهذا الغرض فقد استخدم بياض البيض في خلطات الملاط بدلاً من الماء، الأمر الذي أدى إلى استهلاك كميات كبيرة منه كانت تحضر بصناديق خاصة من بلاد الأناضول بأعداد لا حصر لها.
يأخذ بيت الصلاة شكل مستطيل قريب إلى المربع، طوله 69 م وعرضه 63 م، ويتسع لنحو خمسة آلاف مصل. وبدلاً من الزخارف والنقوش المبالغ فيها في كثير من المساجد العثمانية فيتسم نلاحظ النضج والبساطة. وتم استخدام البلاط التركي المصقول، والتصاميم ذات الصقل المظلل المؤلفة من سبعة ألوان بما في ذلك اللون الأحمر الارجواني مع خطوط بيضاء وسوداء، واللون الأزرق الفائق، والتي تكسو الجدران الداخلية لبيت الصلاة بزخارفها التي جاءت على شكل زهور التوليب والقرنفل والجوري والبنفسج والاقحوان وأوراق العنب وأشجار التفاح والسرو.
والقبة الرئيسية للمسجد القائمة فوق وسط بيت الصلاة قبة ضخمة محمولة على أربعة أعمدة بشكل أقدام الفيل متمركزة قرب الجدران، طول كل قطر فيها 7.5م، ووزن الواحد منها 60 طنا. ويبلغ ارتفاع القبة 53 متراً، وقطرها 27.25م.
ويحف بها في محيطها الأسطواني 32 نافذة بأقواس مستديرة. وهي تنضم إلى أكثر من مئة نافذة أخرى موزعة على جدران ونواحيه لتؤمن للمسجد اضاءة جيدة وانعكاسات للألوان من خلال زجاج النوافذ الملون لا مثيل له.
ولا تخطئ العين جمال النقوش الموجودة على القبة من داخلها، وهذه النقوش من أعظم آثار الخطاط التركي أحمد شمس الدين الذي فقد بصره آخر أيامه، فقام غلامه حسن شلبي بتكملتها. كما لا تخطئ العين الأساليب الفنية التي استخدمت في الديكورات الداخلية للمسجد مثل الحفر على الخشب والتطعيم العاجي وعرق اللؤلؤ وغيرها من الأعمال البديعة. وليست القبة الكبيرة في بيت الصلاة وحيدة فيه، بل حولها ست قباب من جانبها حجمها متوسط، وهناك فوق الاركان الأربعة أربعة قباب أخرى ذات حجم صغير، ولعل هذه القباب العشر المحيطة بالقبة الكبرى، وما فيها من دقة فنية وأبعاد محسوبة بعناية، هي التي ساعدت على النظام الصوتي الفريد في هذا الجامع.
أما المحراب والمنبر فمصنوعان من المرمر المحفور. ومنبر الواعظ ـ وهو غير منبر الخطيب ـ من الخشب المحفور وفي زوايا المحراب تشاهد نقوشاً محفورة لأوراق ذهبية. وفي بيت الصلاة في مسجد السليمانية بنى السلطان سليمان مقصورة له قائمة على أعمدة من رخام، وفيها أعمال نقش جميلة جداً على قضبان المرمر المحيطة بها، وللمؤذن فيها مقعد مرمر أيضاً. وكما كان النظام الصوتي متقناً فنياً، فإن نظام التهوية ليس بأقل اتقاناً. بل هو مهيئاً من خلال منافذ خاصة بعضها يفتح للداخل وبعضها يفتح للخارج لتنقية الهواء بسرعة وسهولة. وقد عمد المهندس الشهير سنان إلى عمل فتحات صغيرة تحت القبة في اتجاهات متنوعة ليضمن تياراً صاعداً يجذب وراءه الدخان المتصاعد من لمبات الزيت المستخدمة بكثرة لإضاءة المسجد الكبير. وبذلك تجاوز مشكلة عانت منها المساجد كثيراً، وهي تكاثف سواد الدخان وتغطيته لرسومات القباب فيها، خاصة إذا علمنا أن المسافر التركي الشهير ايفليا شلبي كتب ذات مرة: أنه استلزم استخدام ما يقارب من عشرين ألف لمبة في الثريات المختلفة الموزعة في أرجاء المسجد. وقد كان السَخَم المتجمع على أطراف فتحات التهوية يجمع ويعطي لصانعي الحبر لاستخدامه في صنعتهم.
وخلف بيت الصلاة في مسجد السليمانية يقع صحن المسجد أو الساحة الداخلية، وهي مستطيلة الشكل. وأرضية تلك الساحة مغطاة بألواح كبيرة من المرمر، ولها بوابتان على جانبيها، وبوابة في الوسط، وهذه البوابة الوسطى لها شكل باب أثري ذي تاج، وتعد عملاً معمارياً فريداً ومهما وهي مثال رائع للفن السلجوقي وقد نقش بالذهب وبشكل بارز فوقها شهادة (لا أله إلا الله محمد رسول الله). ويحيط بهذه الساحة أو بصحن المسجد ممر أو رواق من جهاتها الثلاث تعلوه (28) قبة ترتكز على (24) عمودا وترتبط بأقواس صغيرة، ومن تلك الأعمدة اثنان من الرخام حول البوابة الوسطى، وعشرة من المرمر الأبيض، واثنا عشر من الجرانيت. وهذه الأعمدة تزينها رواسب كلسية ورؤوس من المرمر منحوتة في أعلاها من حجر واحد. وجدران تلك الساحة المحيطة بالممر فيها صفان من النوافذ. وفي وسط الساحة هذه توجد نافورة الوضوء شكلها مستطيل، وهي تستحق الاهتمام، فقد نحتت نقوشها بشكل بديع وزينت بقضبان برونزية جميلة.
وعلى أطراف الساحة الداخلية هذه ترتفع في وسط السماء أربع مآذن، اثنتان منها ـ وهما اللتان تليان بيت الصلاة ـ أعلى ارتفاعاً من (74م)، ولكل مئذنة من هاتين المئذنتين ثلاث شرفات أما المئذنتان الأخريان فلكل واحدة منهما شرفتان فقط.
وقد قيل: إن المهندس سنان أراد أن يشير بالمآذن الأربع الى أن السلطان سليمان هو رابع سلطان عثماني بعد فتح القسطنطينية كما أشار بالشرفات العشر الموجودة على المآذن الأربع إلى أن السلطان سليمان هو العاشر من سلاطين بني عثمان.
ومن خلف الساحة الداخلية تقع الساحة الخارجية الكبرى التي لها أحد عشر باباً، وهي كالسور المحيط بالبلدة. ويتضمن جامع السليمانية ثاني أكبر مجمع عمراني بعد مجمع الفاتح. ويتألف هذا المجمع من أربع مدارس: مدرسة طبية، ومدرسة للقائم مقامين، ومدرسة دينية للعلوم الشرعية، ومدرسة ابتدائية. هذا اضافة إلى مستشفى ودار للضيافة ومطعم للفقراء وحمام تركي وسوق حول المسجد.
يعتبر السخام هو المادة الأساسية في صناعة الحبر، لكن الحبر الذي استحدثه المعماري سنان من السخام المنبعث من القناديل إلى فضاء مسجد السليمانية بإسطنبول. والملفت للنظر في هذا الحبر تسميته بحبر الحاج، حيث كان السخام الذي يجمع في السليمانية، يوضع في البراميل المعبأة بالصمغ العربي والماء الصافي، ثم يرسَل إلى الحج على متون جمال قافلة المحمل النبوي الشريف ليسير في رحلة تستغرق -ذهابًا وإيابًا-ستة أشهر تقريبًا إلى الأراضي المقدسة، إذ ينخضّ خلال الرحلة انخضاضًا متواصلاً فيختمر فيتحول إلى حبر إذا ما جرى على الورق تغلغل في مساماته وظل على سطحه أبد الدهر لا ينمحي ولا يزول حتى وإن مسه ماء أو أية مادة سائلة. هذا وقد استخدم العثمانيون هذا الحبر في خط القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية الشريفة أو الفرمانات السلطانية السياسية والدينية والإدارية من قبل خطاطين بارعين.
لقد استحدث المعماري “سنان” فتحات صغيرة أسفل قبة جامع السليمانية جعلها في اتجاهات مختلفة ليتمكن من الحصول على تيار صاعد يجذب وراءه السخام المتصاعد من القناديل -البالغ عددها 275 قنديلاً-فيجمعه عبر هذه الفتحات في مكان معين للإفادة منه في صناعة الحبر. ولهذا الغرض قام المعماري “سنان” بحسابات هندسية دقيقة، فأنشأ غرفة فوق المدخل الرئيسي لجامع السليمانية، ثم وضع فيها العديد من المصافي حيث ضمِن عن طريقها امتصاص السخام المتصاعد من القناديل، وبعد ذلك أخذ هذه المصافي فغمسها في الماء فذاب السخام وتحول إلى حبر. وبهذه الطريقة وفِّق المعماري “سنان” في اجتياز مشكلةِ تراكم السخام على نقوش الجامع العليا ونجح في حماية الجدران من السخام الناتج من قناديله.
للحجز والاستفسار:
عبر الوتس أب : 00905386813746
أو اتصل بنا عبر الأرقام : 00905436214816